الصحيفه الصادقه

لست أعلم ما يشدّني نحوها، وما الذي يركل عينايّ لتغازل نحرها ! وهي الفوضوية السمراءْ، والغوغائية البلهاءْ ! الطاهرة الملتوية، الحزينة المسلية ! قد لفظتها الأضداد من رحمها، ونفثتها أصابع التيه من أصلابها! فاستقرّت ناشبة إغراءها، صحيفةٌ مفتّحة الجنح، وخربشةٌ مفَتَّقَة الجرح، تتصفحُ سيماها كلّ الأحداق، وتفسِّر عيناها جلّ الأشداق، إذ لم يحصِّنها واليها، ولم يُستِّرها راميها، ربما لأنه أرادها سافرةً فاضحةً مكشِّفةً عن حروفها ! فاصخة لأفكارها، ينهشها الجميع كيفما شاء ! إمّا لسذاجةٍ اكتنفته، أو لبهجة احتوشته، أو "لويلةٍ" أحرقته ولم يجد إلاّ (هناك) يطفئها ! ولأيها كان فإنّ نطفتها مجهولة، وحواسها منحولة، فلعلّ مرتكب الخطيئة نساها ! أو ألّفها ودسّاها !!
ولعمري قد طرّز ابنته ترميزاً، وأشبعها تجريسا، ثمّ غنّاها على خشبة النسيان، فكرة عذراء ملقية على عكازة علمه ! لم أعتقد عبثيتها رغم جنون جلستها المتغنجة، ورقصاتها المبتذلة، فأخذت أبحث عن سرّها، وفي سرّها، فوجدت أنها فلسفية القوام، رفيعة المقام، مهندَسة النظام، فهيّ يفاعة دواخلنا، ونسخة إنساننا الثانية ! والأنا الباحث عن حافره (الأنا الآخر!)، أمَا يكفيك احتراماً لها أن تتلمّس لينَ عفويتها !؟
"أحبك!.. أووف ضجر!..لا تحسبوا رقصى بينكم طربا ... فالطير يرقص مذبوحا من الألم!.. وش هالهم!.. أحلام وردية!.. ملل، متى بتنتهي المحاضرة!.. Real Madrid!" هكذا يرسم الطالب الجامعيُّ نفسه، فما يخفيَه القلب لاتخطئه فلتات القلم، وإن أحكم سيطرته ومراقبته!!
هذه هي (ثقافة الطاولات الدراسية!)، التي هي صنو للكتابة على الجدران، وأحبذ باحثاً يحوم حولها، يعرف ما الدافع لنشأتها ! ويظهر سلبياتها وإيجابياتها !